الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
* فلقد دار الدهر دورته ..، ومضت الأيام تلو الأيام ..، وإذا بشهرنا تغيض أنواره .. وتبلى أستاره .. ويأفل نجمه بعد أن سطع ..، ويُظلم ليله بعد أن لمع .. ، ويُخيم السكون على الكون .. بعدما كان الوجود يتأهب للقاء هذا الضيف الكريم ..
كل شيء زائل، وكل شيء فانٍ إلا وجهه سبحانه؛ فالعمر والسنين والأيام كلها إلى زوال وانقضاء، رمضان ليس بدعًا من ذلك الزمان الذي ما إن يبدأ حتى يأتي أوان ختامه. ماذا تعلمنا في رمضان
تعلَّمنا من رمضان : أن لكل شدة فرج ومع كل عسرٍ يسرا،بعد الهم فرج وبعد الليل نهار وبعد المرض عافية.
يمتنع الصائم عن أكله وشربه ،فإذا جاء الليل وصدح صوت الآذان ذهب الضما وابتلت العروق وثبت الأجر انشأ الله.
تعلَّمنا من رمضان : أن النجاح والفلاح يحتاج إلى صبر ساعة ،فالنصر حليف من يصبر أكثر ،قال تعالى : ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) [فصلت:35]
رمضان مدرسة للصبر ،وهو من أروع الميادين لتمرين النفس على الصبر.
الجنة لمن يصبر أكثر على طاعة الله على دين الله .
الجنة لمن يصبر على البلاء ويحتسب ،قال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ )) [البقرة:155-158]
الجنة لمن يصبر عن معصية الله ويوم القيامة تقول الملائكة لأهل الجنة ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) [الرعد:24]
تعلَّمنا من رمضان : تحقيق العبودية لله - سبحانه - بفعل ما أمر، فالمسلم يُمسك في وقت محدد، ويأكل في وقت معلوم؛ امتثالاً لأمر الله، مراقبًا مولاه.
تعلَّمنا من رمضان : أن الوقت أغلى من الذهب ،وأثمن من اللؤلؤ،وأنفس من الماس لان الوقت يأتي بهم جميعا وبغيرهم ،أما هم فلا يأتون حتى بثانية .
تعلَّمنا من رمضان : زيادة الارتباط بالقرآن سماعًا وتلاوة، فكم من الأجر في قراءته! وكم من الأثر عند تدبره!
تعلَّمنا من رمضان : من أراد أن يعيش واقعه فلينزل من برجه العالي إلى وسطه البسيط ويتواضع ،ويتقلب بين أفراده ويتعايش مع أحوالهم .
لا يعرف حال الجياع إلا من حُرم الطعام قال يوسف عليه السلام عندما سئل عن سبب صيامه وقد صار عزيز مصر: «إني أخشى أن اشبع فأنسى الجياع ».
تعلَّمنا من رمضان : روح الصـــلاة .. حافظنا عليها بخشوعها ، وأتممنا – فيما نظن- ركوعها وخشوعها ، وتلك الصلاة قد شرعت لذكر الله ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) [طه : 14]
تعلمنا أن الرب واحد وان الأمة واحدة موحدة في عبادتها متوحدة في شعائرها يفطرون جميعا ويصومون جميعا .قال تعالى: ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء:92]
تعلمنا من رمضان: أن العمل الذي يتعدى أثره يعظم أجره .
قال صلى الله عليه وسلم :«من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً»
تعلَّمنا من رمضان : أن الليل مدرسة تخرَّج منها أرباب التغيير ،وعُشّاق الفردوس ، وأصحاب الدعوات
تعلَّمنا من رمضان : أن نفرح بطاعاتنا ،وان نبكي على خطايانا .فإذا فرحت بالطاعة وحزنت للمعصية فأنت مؤمن .«للصائم فرحتان عند فطره وعند لقاء ربه»
تعلَّمنا من رمضان : أن الجوع رياضة الإرادة والمعول الذي يكسر صخر الشهوة والقبضة التي تخنق مجرى الشياطين
تعلَّمنا من رمضان : كيف نقاوم نزغات الشيطان .
تعلَّمنا من رمضان : كيف نقاوم هوى النفس الأمّارة بالسوء.
تعلَّمنا من رمضان : أن نربي أنفسنا على الجهاد
وتعلمنا الكثير والكثير حَقًّا لقد كان رمضان مدرسةً إيمانية تربوية،فهذه دروس يسيرة من آثار شهر الصيام الكبيرة الكثيرة.
باقي يومين أو ثلاث أيام ونودع رمضان
وبهذا علينا أن نتحدث عن زكاة الفطر
زكاة الفطر أو زكاة الأبدان: هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، تدفع قبل صلاة عيد الفطر، أو قبل انقضاء صوم شهر رمضان. وهى واجبة على كل مسلم، قادر عليها، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها. وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال. بمعنى أنها فرضت لتطهير نفوسالصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال مثلا. حكمتها ومشروعيتها روي عن عبدالله ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في صحيح سنن أبي داود رواه أبو داود و ابن ماجه بسند حسن:
| قال فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، حديث صحيح |
روي عن ابن عمر في صحيح البخاري و مسلم و أصحاب السنن:
| قال: فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، حديث صحيح | |
أي : قبل خروج الناس إلى صلاة العيد.
روي عن عن أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري ومسلم وأصحاب السنن:
| حيث قال:كنا نخرج صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب، حديث صحيح. | |
وقيل هي المقصودة بقوله تعإلى في سورة الأعْلَى : ' قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى '
يقول رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ في أحكام القرآن للجصاص ج3 : سورة الأعلى:
| 'قَالا :"أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ " | |
أي صلاة العيد.
يقول وعَنْ وَكِيعٍ بْنِ الْجَرَّاحِ في المجموع للنووي:
| 'زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ'. | |
حكمتها
1- طهرة للصائم، قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم، فشرع الله عز وجل هذه الصدقة لكي تصلح له ذلك الخلل الذي حصل فيه ليكون صياما تام الأجر ولكي يفرح به فرحا تاما يوم القيامة.
2- تعميم الفرحة في يوم العيد لكل المسلمين والناس حتى لايبقى أحد يوم العيد محتاجا إلى القوت والطعام ولذلك قال رسول الله " أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم "، وفي رواية " أغنوهم عن طواف هذا اليوم " رواه البيهقي والدارقطني، أي إغناء الفقير يوم العيد عن المسألة. ولذلك جاء في حديث ابن عباس ما قال ((فرض رسول الله صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين)) رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، والحديث حسن كما قال النووي.
3- زكاة للنفوس والأبدان، تعد صدقة الفطر زكاة عن الأبدان والنفوس وقربة لله عز وجل عن نفس المسلم، أو زكاة لبدنه، وبعبارة أخرى تعبر عن شكر العبد لله عز وجل على نعمة الحياة والصحة التي انعم الله عز وجل بها على عبده المسلم.لذلك شرعت على الكل بما فيهم الصغير والعبد والصائم والمفطر سواء أكان مفطراً بسبب شرعي أم غير شرعي.
مقدار زكاة الفطر
مقدار الواجب في زكاة الفطر هو أن يخرج عن الفرد صاعا من تمر، أو من زبيب، أو صاعا من قمح أو من شعير أو من أرز، أو صاعا من أقط (وهو الحليب المجفف)، ونحو ذلك مما يعتبر قوتا يتقوت به، بما يناسب الحال، وبحسب غالب قوت البلد، أي: أنه يخرج من القوت المتوفر في البلد، وينبغي مراعاة حال المستفيد (أي: الذي تدفع إليه الزكاة).
هي صاع باتفاق المسلمين والصاع قريب أربع حفنات بيدي إنسان معتدلة، وهو يساوي أربعة أمداد، وقدر المد حفنة (أي: غرفة) بيدي إنسان معتدلة، ويقدر الصاع قرابة 3 كجم تقريبا، أي: أن مقدار الصاع ينقص عن 3 كجم، بنسب متفاوتة؛ لتفاوت التقديرات، لكن التقدير بالوزن تقريبي، والأصل في مقدار زكاة الفطر، كيلا بالصاع. وهذا المقدار يؤدى من الحنطة أو التمر أو الزبيب أو الرز أو الطحين أو الشعير ويجوز إخراج قيمة ذلك نقداً وهذا مذهب الحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والجعفرية وهو مذهبٌ مرويٌ عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل -ما- في أخذهما العروض بدل الحبوب في الزكاة.
وبالنسبة لجواز اخرجها نقدا فهناك ثلاثة اقوال:
- القول الأول: أنه لا يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
- القول الثاني: أنه يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعي، ورواية في مذهب أحمد.
- القول الثالث: أنه يجوز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا قول في مذهب الإمام أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقد استدل كل فريق من هؤلاء بأدلة. فأما من منع إخراج زكاة الفطر نقداً فاستدل بظاهر الأحاديث التي فيها الأمر بإخراج زكاة الفطر من الطعام.
- عمن تجب عليه زكاة الفطر؟
فأجاب فضيلته بقوله: تجب على كل إنسان من المسلمين ذكراً كان أو أنثى، صغيراً كان أم كبيراً، سواء كان صائماً أم لم يصم، كما لو كان مسافراً ولم يصم فإن صدقة الفطر تلزمه، وأما من تستحب عنه فقد ذكر فقهاؤنا ـ رحمهم الله ـ أنه يستحب إخراجها عن الجنين ـ عن الحمل في البطن ـ ولا يجب.
ومنعها محرم لأنه خروج عما فرضه النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق آنفاً في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر.." ومعلوم أن ترك المفروض حرام وفيه الإثم والمعصية.
وقت زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان، والسنة إخراجها يوم عيد الفطر قبل صلاة العيد. ويجوز تعجيل إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين وقد كان هذا فعل بعض الصحابة.
فعن نافع مولى ابن عمر ما أنه قال في صدقة التطوع : " وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين " أخرجه البخاري، وعند أبي داود بسند صحيح أنه قال : " فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين ". و آخر وقت إخراجها صلاة العيد، كما سبق في حديث ابن عمر، وابن عباس